غزة.. الأرض المحاصرة بين الجغرافيا والتاريخ أرض العنة والكنوز والصراع المستمر طمعا فيها
طالما كانت غزة نقطة التقاء الحضارات، ومسرحًا للصراعات، وملاذًا للمقاومة. رغم أنها توصف بأنها "أكبر سجن مفتوح في العالم" بسبب الحصار الإسرائيلي المستمر، إلا أنها تحمل في عمقها كنزًا جغرافيًا واقتصاديًا قد يجعلها أكثر من مجرد منطقة نزاع. فقد كشف البحر الأبيض المتوسط عن ثروات ضخمة من الغاز الطبيعي، جعلت من غزة مطمعًا للعديد من القوى، وهو ما يُفسر بعضًا من دوافع السيطرة عليها.
ترامب يحلم بغزة جديدة.. "ريفييرا الشرق الأوسط"
أثار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جدلًا واسعًا عندما تحدث عن نيته تحويل غزة إلى "ريفييرا الشرق الأوسط"، في طرح شكّل صدمة للفلسطينيين والعالم. وبينما يرى البعض في هذا التصريح مجرد خيال سياسي أو خطوة دعائية، إلا أن موقع غزة الجيوسياسي الفريد وثرواتها الطبيعية يجعلانها محور اهتمام دائم للقوى الكبرى.
لكن بعيدًا عن الرؤى السياسية، تبقى غزة أرضًا تحمل تاريخًا عريقًا، وتواجه تحديات ضخمة تجعلها واحدة من أكثر المناطق حساسية في العالم.
غزة.. موقع استراتيجي وكنوز طبيعية
الموقع الجغرافي
- غزة هي أكبر مدن جنوب فلسطين التاريخية، وتقع على البحر الأبيض المتوسط.
- يحدها مصر من الجنوب الغربي، وإسرائيل من الشمال والشرق، والبحر المتوسط من الغرب.
- تبلغ مساحتها الإجمالية 360 كيلومترًا مربعًا، بطول 41 كيلومترًا، وعرض 6 إلى 12 كيلومترًا.
- كانت غزة محطة رئيسية على طريق التجارة القديم بين مصر والشام، ولا تزال ذات أهمية استراتيجية لقربها من قناة السويس، أحد أهم الممرات البحرية العالمية.
ثروات غزة.. كنوز مدفونة تحت البحر
- تحتضن مياه غزة احتياطات ضخمة من الغاز الطبيعي، تم اكتشافها منذ عام 1999، لكنها لا تزال ثروة معطلة بسبب الاحتلال الإسرائيلي.
- تحتوي غزة على أكثر من 1.1 تريليون قدم مكعبة من الغاز، وفق منصة الطاقة المتخصصة.
- أبرز الحقول الغازية:
- حقل غزة مارين: يحوي أكثر من تريليون قدم مكعبة من الغاز، بطاقة إنتاجية تبلغ 1.5 مليار متر مكعب سنويًا.
- حقل بوردر فيلد: يمتد عبر الحدود بين المياه الإقليمية لقطاع غزة وإسرائيل.
- حقل ماري بي: استولت عليه إسرائيل عام 2004، واستنزفته تمامًا بحلول 2011.
- حقل نوا: يضم نحو 3 تريليونات قدم مكعبة من الغاز، وبدأت إسرائيل استغلاله عام 2012.
- توقعات بوجود حقل إضافي مقابل مخيم النصيرات، لم يتم تأكيده حتى الآن.
الاقتصاد في غزة.. من "سلة غذاء فلسطين" إلى أزمة إنسانية
الصناعة والبطالة
- تعاني غزة من انهيار اقتصادي حاد نتيجة الحصار الإسرائيلي المستمر منذ أكثر من 17 عامًا.
- تبلغ نسبة البطالة 52%، بينما تصل إلى 70% بين الشباب، وفق مصادر فلسطينية رسمية.
- يعتمد ثلثا السكان على المساعدات الإنسانية، حيث تفرض إسرائيل قيودًا صارمة على البضائع والوقود والمياه والكهرباء.
الزراعة والصيد
- كانت غزة قديمًا تُعرف بـ "سلة غذاء فلسطين"، بفضل تربتها الخصبة التي تشتهر بزراعة الزيتون، الحمضيات، الفراولة، والزهور.
- رغم القيود، لا يزال صيد الأسماك مصدر رزق مهمًا للعديد من العائلات، رغم التضييقات الإسرائيلية على حركة القوارب.
غزة.. بين الماضي والحاضر
تاريخيًا، كانت غزة جزءًا من فلسطين التاريخية، وخضعت للعديد من القوى، من العثمانيين إلى الانتداب البريطاني، وصولًا إلى الاحتلال الإسرائيلي بعد حرب 1967.
- في 1948، فرّ أكثر من 750 ألف فلسطيني من ديارهم في نكبة فلسطين، وأصبحت غزة تحت الإدارة المصرية.
- في 1967، سيطرت إسرائيل على القطاع خلال حرب الأيام الستة.
- بعد اتفاقيات أوسلو (1993-1999)، أصبحت غزة تحت حكم السلطة الفلسطينية بنسبة 67%، قبل أن تنسحب إسرائيل بالكامل عام 2005.
حروب غزة.. سجلٌ دموي من الصراعات
شهدت غزة أربع حروب إسرائيلية مدمرة منذ عام 2008، كانت جميعها ذات نتائج كارثية على السكان والبنية التحتية:
- 2008 – "الرصاص المصبوب": أسفرت عن مقتل 1440 فلسطينيًا.
- 2012 – "عامود السحاب": استمرت 8 أيام، وأسفرت عن مقتل 174 فلسطينيًا.
- 2014 – "الجرف الصامد": استمرت 50 يومًا، وأسفرت عن 2251 شهيدًا فلسطينيًا.
- 2023 – "السيوف الحديدية": استمرت 471 يومًا، وأسفرت عن مقتل أكثر من 60 ألف فلسطيني، وتدمير واسع النطاق.
سكان غزة.. معاناة وسط الحصار
- يعيش في القطاع أكثر من 2 مليون فلسطيني، منهم 1.7 مليون لاجئ مسجلون لدى الأونروا.
- تشكل الأطفال نحو نصف سكان غزة، مما يسلط الضوء على الأثر المدمر للحروب عليهم.
- اللغة الرسمية هي العربية، بينما يتحدث العديد من الفلسطينيين العبرية والإنجليزية نتيجة الظروف السياسية.
- العملة المتداولة في غزة هي الشيكل الإسرائيلي، الدولار الأمريكي، والدينار الأردني.
غزة.. بين السياسة والمستقبل المجهول
تظل غزة نقطة اشتعال دائمة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث يرى الاحتلال فيها عبئًا أمنيًا يجب احتواؤه، بينما يرى الفلسطينيون فيها وطنًا محاصرًا يجب تحريره.
وفي ظل استمرار الحصار، الحروب، والتوترات السياسية، يبقى السؤال:
هل ستظل غزة سجنًا مفتوحًا؟ أم تتحول إلى كنز اقتصادي يغير خريطة الشرق الأوسط؟