غزة.. الأرض المحاصرة بين صفحات التاريخ ونيران الحاضر
لطالما كانت غزة محط أنظار العالم، ليس فقط بسبب موقعها الجغرافي الاستراتيجي، بل بسبب تاريخها العريق الذي يمتد لآلاف السنين، والذي جعلها شاهدًا على حروب وصراعات ممتدة منذ العصور القديمة حتى يومنا هذا. فمنذ أن ذُكرت غزة في الكتب السماوية كمدينة محصنة، كانت دائمًا في قلب الأحداث السياسية والعسكرية، سواء في العصور التوراتية عندما وقعت تحت سيطرة الكنعانيين ثم الفلسطينيين، أو في العصر الحديث حيث أصبحت بؤرة للصراعات الإسرائيلية الفلسطينية المستمرة.
تمتلك غزة إرثًا تاريخيًا يعكس تعاقب الحضارات التي حكمتها، بدءًا من المصريين القدماء والفينيقيين، مرورًا بالفترات الرومانية والإسلامية، وصولًا إلى الاحتلالات الحديثة التي جعلتها واحدة من أكثر المناطق توترًا في العالم. وفي الكتاب المقدس اليهودي، وُصفت غزة بأنها أرض للعنة والدمار، حيث لعبت دورًا بارزًا في الحروب التي خاضها الإسرائيليون ضد الفلسطينيين القدماء. كما تروي قصة شمشون الجبار، الذي وقع في أسر الفلسطينيين داخل غزة، كيف كانت هذه المدينة ساحة للصراع بين القوة والهيمنة.
غزة في قلب الصراع المعاصر
إذا كان التاريخ قد وثّق صراعات غزة القديمة، فإن الحاضر لم يختلف كثيرًا. فلا تزال هذه المدينة المحاصرة اليوم تواجه واحدة من أعنف الحملات العسكرية الإسرائيلية منذ عقود. فخلال الأشهر الأخيرة، شهد القطاع تصعيدًا عسكريًا دمويًا أودى بحياة المئات، وأدى إلى تدمير هائل في البنية التحتية. وقد تزامنت هذه التطورات مع استمرار الحصار المفروض على غزة منذ أكثر من 17 عامًا، مما أدى إلى نقص حاد في الغذاء والدواء، وانهيار شبه كامل للخدمات الأساسية.
في نوفمبر 2024، تصاعدت وتيرة المواجهات، حيث شنت إسرائيل سلسلة من الغارات الجوية التي استهدفت منشآت حيوية ومنازل مدنيين، ما أسفر عن وقوع مئات القتلى والجرحى. في المقابل، ردّت الفصائل الفلسطينية بإطلاق الصواريخ باتجاه المستوطنات الإسرائيلية، في تصعيد يهدد بمواجهة واسعة النطاق. وفي ظل هذه الأحداث، ازدادت الإدانات الدولية لما وصفته المنظمات الحقوقية بأنه انتهاكات جسيمة ضد المدنيين في غزة.
من جانبها، حاولت جامعة الدول العربية اتخاذ موقف داعم لغزة، حيث رفعت علم فلسطين على مبنى الأمانة العامة في خطوة رمزية للتضامن مع الشعب الفلسطيني. كما تحركت بعض الدول لبحث إمكانية التدخل الدبلوماسي لوقف إطلاق النار، إلا أن الجهود ما زالت تواجه عراقيل بسبب تعنت الأطراف المتنازعة واستمرار إسرائيل في تنفيذ عملياتها العسكرية تحت ذرائع أمنية.
غزة.. بين مطرقة الاحتلال وسندان المعاناة
تعيش غزة اليوم واحدة من أصعب فتراتها التاريخية، حيث لم يعد الصراع مقتصرًا على الجانب العسكري فقط، بل أصبح أزمة إنسانية بكل المقاييس. فالبنية التحتية المنهارة، ونقص الكهرباء والمياه الصالحة للشرب، وارتفاع نسبة البطالة والفقر، كل ذلك جعل سكان القطاع يعانون ظروفًا معيشية قاسية تكاد تكون غير قابلة للتحمل.
وفي ظل هذا الواقع الكارثي، يبقى السؤال مفتوحًا: هل يمكن لغزة أن تتجاوز هذا الحصار المستمر وتعيد بناء نفسها؟ أم أن الصراعات المتكررة ستبقيها رهينة للأزمات المتجددة؟
ما بين التاريخ والحاضر، تبقى غزة جرحًا مفتوحًا في قلب القضية الفلسطينية، ورمزًا للصمود في وجه كل محاولات التهجير والدمار.