سعيد محمد أحمد يكتب : سوريا الجديدة .. رسائل ماقبل الحوار والمؤتمر الوطنى
فى ظل الجو المشحون بالتوتر والقلق وحالة الفوضى التى تضرب العديد من المدن السورية فى ارتفاع معدلات العنف والجريمة واحتدام الصدام المسلح بين قوى متصارعة على الارض السورية، باتت واضحة بين قوات أكراد سوريا الديمقراطية " قسد"، والعناصر والتنظيمات المسلحة من الجيش الوطنى "السورى الحر سابقا" المدعوم تركيًا، مما دفع أنقرة للضغط على الشرع أبو محمد الجولاني رئيس "جبهه النصرة" ومطالبته بإجبار أكراد قوات سوريا على ترك السلاح ودفن قواتها وفق أحلام اردوغان للخلاص من أكراد سوريا، بعد ان رحب الشرع موخرا باعلان قوات أكراد سوريا انضمامها الى الجيش السورى الحكومى حال تشكيله.
على جانب آخر يتساءل البعض الى متى ستظل سوريا على صفيح ساخن، تموج بها العديد من الصراعات على السلطة خارجيًا وداخليًا، وخاصة فى المناطق " ريف حمص وحماه والتجمعات المسيحية والعلوية التى تفرض فيها العصابات والتنظيمات المسلحة سيطرتها، والقيام بجرائم القتل والاختفاء القسرى واستباحة الاموال والممتلكات الخاصة، بعيدا عن إدارة العمليات العسكرية التابعة لسلطة هيئة تحرير الشام، والتى من المفترض ضبط تلك الامور ، والتى تشكل انتهاكًا للحرمات الخاصة من قبل التنظيمات المسلحة التى تمارس سطوتها فى استباحة حقوق الغير فى ظل غياب القانون والعدالة … ويبقى السؤال الاكبر لمصلحة من يتسلم تلك السلطة جماعات تكفيرية جهادية ؟
ومن يتصور أن الحياة داخل العاصمة دمشق أو خارجها أصبحت الى حد ما شبه حياه بعد مرور ٤٥ يوما على سقوط النظام الاسدى فى الثامن من ديسمبر الماضى، ودون إحداث تغيير حقيقي فى أولويات الادارة الحاكمة حول توفير سبل الامن والأمان لاستمرار الحياة بضبط الفتن وتأمين الحدود كأحد أهم مظاهر فرض سيادة الدولة فى رعاية مواطنيها، والتراجع عن فكرة الانتقام من الاخرين عوضا عن الدخول فى حروب الفتنة فى مجتمع متعدد الطوائف والمذاهب وبما يؤكد عدم فاعلية دعوات وخطابات التسامح والمسامحة والمحبة.
واذا كان هناك من ينادى بشعار " سوريا أولآ " .. من اصحاب الادارة الحاكمة يبقى السؤال عن اي سوريا يتحدثون ؟ فيما تشهد بعضا من المناطق قدرًا كبيرًا من التعامل بقسوة فى الاهانة مما دعا البعض بطلب توفير الحماية الدولية للأقليات من تلك الفصائل الجهادية المتطرفة والتى تعبث بفرض أفكارها .
وعوضا عن اعطاء الجميع الامل والثقة ونبذ منطق الانتقام والتشفي حتى يتمكن الجميع من بناء سوريا تشبه كل السوريين دون تمييز فى دولة تحترم المواطنة، الا أن المخاطر التى يراها الكثيرون فى المشهد الراهن بين - السواد المعتم والرمادية- ، ومن يرى خلاف ذلك مخطىء ولا يدعو الى التفاؤل…فمن خلال جولة بانوراميه على بعض المناطق سواء فى قلب العاصمة دمشق من المسجد الاموى، ومقهى النوفرة، ومرورًا بأقدم الأحياء الدمشقية "باب توما والقصاع " ذات المكون المسيحي تنتشر عبر شبكات التواصل الاجتماعى العديد من الممارسات الشبه يومية وتثير الرعب فى القلوب، وكأنك تشاهد فيلما رديئًا يبشر بالدعوة الى الاسلام وعبر أفراد أو جماعات ملتحية أو سيارات تجوب الاحياء للدعوة بالامر بالمعروف والنهى عن المنكر، فى الإحياء المسيحية ودعوتهم للصلاة، واثناء البعض عن دياناتهم وفرض محاذير عبر منشورات منع التدخين ومنع الاختلاط فى المواصلات العامة ومنع الموسيقى فى المقاهى وتحول الجامعات السورية الى ساحات لصلاة الجماعة، مما أحدث حالة من الاحتقان المكتوم واشتباكات بين شباب وسكان تلك المناطق ورفضها تلك الدعوات، فما بالك بما يجرى فى المناطق البعيدة عن الاضواء وخاصة المناطق ذات الأقليات؟.
وعلى الرغم من ذلك فإن البعض يرى ان هناك حقائق على الارض يدركها الشرع ابو محمد الجولانى وجماعته جيدًا بأنهم ليسوا هم وحدهم من أسقطوا النظام فى سوريا، بل كانوا الاداه فى تنفيذ عملية استلام السلطة بدعم ومساندة أجهزة مخابرات متعددة تمتلك من الاحترافية والخبرات مع انهيار المؤسسة العسكرية والأمنية السورية فى زمن قياسى لاعتبارات كثيرة على رأسها الفساد والخيانة.
فالاطماع كثيرة أهمها على الاطلاق أطماع أردوغان تركيا بوصفها المستفيد الاول مما يجرى فى سوريا وبوصول قواته اليوم على بعد ٢٠ كم من مدينة اللاذقية، والجيش الاسرائيلي على بعد كيلومترات من دمشق والجيش الامريكى على 25 ٪ من مساحة سورية، وبما يشكل غياب سيادة الدولة فى فرض الامن والاستقرار ،فى ظل تواجد اكثر من ١٢٠ تنظيما مسلحا بمختلف المسميات ، وتحمل جميعها أفكارًا جهادية تكفيرية تمارس سطوتها فى غياب الادارة الحاكمة .
وما جرى موخرا من قبل بعض المقيمين فى "جرمانا" منطقة ملاصقة لدمشق خرج شبابها رافعا السلاح ليطالب عبر هتافات طائفية ( درزي ما يهاب الموت ) ,باستقلال جرمانا، ومنع قوى الامن وادارة العمليات العسكرية من دخول المدينة بالقوة ..! فى موقف يعبر عن عجز الاجهزة الامنية فى السيطرة، وقمع ذلك التجمع المسلح وتقديمهم إلى المحاكمة لتحقيق العدالة، والتى على ما يبدو لا تشغل بال جماعة جبهه النصرة هيئة تحرير الشام .
وما بين الحديث عن انتشار الحوادث والانتهاكات الفردية نتاج الفوضى وتواطؤ البعض مع فصائل أخرى مسلحة لتدبير تلك الحوادث وهو أمر أكده المرصد السوري فى لندن عبر تقرير صدر موخرا يفضح فيه انتهاكات وجرائم الإبادة التي ترتكبها تلك العصابات الارهابية بحق الأقليات فى سوريا، كان أبسطها اقتحام عناصر تابعة لهيئة تحرير الشام لسكن المسيحيين في "باب توما" ومطالبتهم بالتوبة وتصفهم بالكفار وهو امر يضع السوريين جميعا ودون استثناء أمام مشكلة شديدة الخطورة في وقت تحتاج فيه سوريا إلى الحد الأدنى من الاستقرار، ولاعادة ضبط سلوك تلك الجماعات المتطرفة.
الشواهد تؤكد ان الوضع بائس وليس كما كان يتمناه الكثيرون، فترى شوارع دمشق عابسه على وجوه العائدين اليها وشديدة القسوة من حجم الصدمة بعدما ذهبت " نشوه السكره والانتصار والتحرر" وبالغة السؤء وهى تتحسس خطاها فى ظلامها الدامس الطويل بطول معظم مدنها عاجزة عن الايفاء بتقديم أبسط قواعد الحياة من خدمات كهرباء ومياه ومواد غذائية وشح الرواتب وانهيار العملة وغياب أبسط أنواع التدفئة فى ذلك البرد القارس .
وليبقى السوريون فى انتظار ما ستسفر عنه كافة التحركات الأممية وكل المحاولات التى تعطى سوريا الجديدة قدرا كبيرا من الزخم العربى والخليجي والسعودى تحديدا بوصفها الفرصة الاخيرة للنجاح على أمل عقد المؤتمر الوطنى واعلان دستوري جديد واعلان تشكيل حكومة منتخبة يتوافق عليها كافة السوريين دون إقصاء او انتقام او تنمر.