صراع نتنياهو مع القضاء يهدد استقلال الأجهزة الأمنية : المحكمة العليا الإسرائيلية تجمّد عزل رئيس ”الشاباك”

قررت المحكمة العليا الإسرائيلية، يوم الثلاثاء 8 أبريل 2025، الإبقاء على رئيس جهاز الأمن الداخلي "الشاباك" رونين بار في منصبه مؤقتًا، وذلك "حتى يصدر قرار لاحق"، ما يشير إلى تجميد فعلي لمحاولة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو عزله.
القرار جاء بعد جلسة استماع ماراثونية امتدت لست ساعات، شابتها فوضى داخل قاعة المحكمة، حيث تعالت أصوات أنصار الحكومة الذين رفضوا تدخل القضاء في قرارات الحكومة التنفيذية، ورفعوا شعارات تطعن في صلاحيات المحكمة، مما اضطر القضاة لإخراج الجمهور ومواصلة الجلسات خلف أبواب مغلقة.
خلفيات الأزمة: تضارب مصالح ومخاوف من تسييس الأمن
القضية بدأت حين قررت حكومة نتنياهو إقالة رونين بار، وهو القرار الذي قوبل بـ ثمانية التماسات عاجلة إلى المحكمة العليا، قدمها محامون ونشطاء حقوقيون ومسؤولون سابقون، اعتبروا أن القرار يمثل "تدخلاً سياسيًا خطيرًا في عمل الأجهزة الأمنية".
الملتَمِسون أكدوا أن نتنياهو يعاني من تضارب مصالح واضح، لا سيما أن جهاز الشاباك، برئاسة بار، هو من يقود التحقيقات مع عدد من مساعديه ومستشاريه المقربين، من بينهم يوناتان أوريتش، وإيلي فيلدشتاين، وسروليك أينهورن، في قضايا فساد واستغلال نفوذ.
وأشارت النائبة العامة غالي بهاراف ميارا في رأيها القانوني إلى أن "القرار يشوبه تضارب مصالح شخصي ويهدد باستغلال سلطة الإقالة بشكل يضر باستقلالية أجهزة الأمن"، محذّرة من أن تمرير هذه الإقالة سيفتح الباب أمام تدخلات سياسية خطيرة في إدارة الأجهزة الحساسة مستقبلاً.
المحكمة العليا في اختبار تاريخي
رئاسة المحكمة العليا، المكوّنة من القاضي إسحاق عميت وعضويها نعوم سولبيرغ ودافني باراك-إيريز، حاولت ضبط الجلسة رغم الفوضى، حيث خاطب القاضي عميت الحضور قائلاً:
"صرخاتكم مسموعة، لكن لا توجد محكمة في العالم تُدار بهذه الطريقة، لا يمكن استمرار الجلسة وسط هذه الفوضى".
وقد طلبت المحكمة لاحقًا إخراج الجمهور باستثناء المحامين والصحفيين، وأصدرت قرارًا مؤقتًا يبقي على رونين بار في منصبه، مع السماح للحكومة بمقابلة مرشحين محتملين دون اتخاذ قرار بالتعيين.
حجج الحكومة… ورفض المحكمة
محامي الحكومة تسيون أمير دافع عن القرار بقوله:
"السلطة التنفيذية هي المخولة بتعيين وإقالة رئيس الشاباك، والقرار أتى بعد انعدام الثقة مع بار، ولا يمكن الاستمرار بالعمل معه".
لكن القاضي سولبيرغ رد قائلاً:
"القضية ليست سلطة الإقالة بحد ذاتها، بل هي عملية اتخاذ القرار والطريقة التي تمت بها، والتي تثير شبهات قانونية ودستورية خطيرة".
حضور أمني رفيع وتحذير من تآكل ثقة الجمهور
جلسة المحكمة شهدت حضور شخصيات أمنية بارزة، من بينها رئيس الموساد السابق تامير باردو ومفوض الشرطة السابق روني الشيخ، في مشهد يعكس حجم القلق داخل المؤسسة الأمنية من تدخل الحكومة في استقلالية أجهزة الدولة.
وفي المقابل، اتهمت النائبة المتطرفة من حزب الليكود تالي غوتليب المحكمة بتجاوز صلاحياتها، وتسببت بصراخها المتكرر في تعطيل الجلسة، ما دفع القاضي عميت لتوجيه تحذير لها، مؤكداً أن "الحصانة الوهمية تتوقف عند باب قاعة المحكمة".
السيناريوهات المحتملة
بحسب محللين قانونيين وصحيفة هآرتس الأسرائيلية هناك 4 سيناريوهات محتملة لحسم الملف:
-
رفض الالتماسات والسماح بإقالة بار.
-
قبول الالتماسات وعرقلة الإقالة نهائيًا.
-
التوصل لتسوية وجدول زمني لمغادرة بار طوعيًا.
-
إلزام نتنياهو باستشارة اللجنة الاستشارية للتعيينات وأخذ رأي النائبة العامة.
الأزمة تعكس صراعًا مفتوحًا بين نتنياهو والمؤسسة القضائية والأمني
الأزمة الحالية تعكس صراعًا مفتوحًا بين نتنياهو والمؤسسة القضائية والأمنية، في ظل اتهامات لرئيس الحكومة بمحاولة "تحصين نفسه من التحقيقات" عبر الإطاحة برؤساء الأجهزة الذين يشرفون على قضايا الفساد.
في ظل الأجواء السياسية المتوترة، يبقى قرار المحكمة النهائي محط أنظار الإسرائيليين، وقد يكون محورًا مفصليًا في العلاقة بين السلطات الثلاث، بل وربما يكون له انعكاسات مباشرة على استقرار الحكومة نفسها.