تعرف علي الفرق بين الأبعاد القسري والتهجير ... الفلسطنين بين التهجير والابعاد القسري
تتجدد في الآونة الأخيرة الأحاديث عن مصطلح "التهجير" في سياق الأحداث المأساوية في غزة، وتحديدًا بعد سلسلة من الهجمات التي استهدفت القطاع المحاصر منذ سنوات. لكن التفرقة بين مصطلح "التهجير" و"الابعاد القسري" أمر بالغ الأهمية، لا سيما عندما يتعلق الأمر بمأساة إنسانية تزداد تعقيدًا. في هذا التقرير، سنتناول المعنى الحقيقي للأبعاد القسري وأبعاده القانونية، وسنوضح الفرق الكبير بينه وبين مصطلح التهجير، الذي يستخف بأبعاد الجريمة.
التهجير: مصطلح يستخدم في أوقات الأزمات
التهجير في السياق التقليدي يُستخدم للإشارة إلى عملية انتقال الناس من مكان إلى آخر بسبب الكوارث الطبيعية أو الأزمات السياسية أو الاقتصادية. على سبيل المثال، في حالات الزلازل أو الفيضانات، يمكن استخدام مصطلح "التهجير" لوصف عملية نقل الأفراد إلى أماكن أكثر أمانًا بعيدًا عن أماكن الكوارث. في هذا السياق، التهجير ليس مدفوعًا بالقوة وإنما بالضرورات الناجمة عن الكوارث.
ولكن عندما يتعلق الأمر بسكان غزة، فإن المصطلح لا يعكس الحقيقة بصدق. إذ يتم استخدام مصطلح "التهجير" للإشارة إلى نقل المدنيين من ديارهم بشكل مؤقت بسبب ظروف الحرب أو الحصار، ويُشمل ذلك في الغالب الظروف القاسية التي تفرضها قوات الاحتلال أو الجماعات المسلحة.
الابعاد القسري: جريمة مخطط لها في القرن 21
أما مصطلح "الابعاد القسري"، فيشير إلى جريمة مركبة وموثقة في القوانين الدولية كجريمة ضد الإنسانية. "الابعاد القسري" هو عمل منظم ومرتب يُجبر الأفراد على مغادرة أراضيهم ومنازلهم تحت تهديد القوة أو التهديد بالعنف، دون أن تكون هناك أي علاقة بالكوارث أو الأزمات الطبيعية. في السياق الفلسطيني، تعني هذه الجريمة نقل الفلسطينيين من أراضيهم بشكل قسري ودون إرادتهم، وهو ما تتعمد قوات الاحتلال الإسرائيلي تنفيذه بحق أهالي غزة.
تشير هذه الجريمة إلى تدمير الروابط الاجتماعية، وهو ما يجعلها جريمة ضد الإنسانية لأنها تنتهك حق الإنسان في العيش في وطنه واختيار مكانه دون تعرضه للإجبار أو التهديد. ويُشدد على أن هذه الأفعال تُرتكب عن سابق تخطيط ولا تقتصر على التهجير العشوائي أو المؤقت، بل تشمل عمليات نقل جماعية للأفراد كجزء من استراتيجية طويلة الأمد تتضمن إزالة هوياتهم الثقافية والجغرافية.
التفرقة القانونية بين التهجير والابعاد القسري
من المهم أن نُدرك أن الفارق بين التهجير والابعاد القسري هو الفارق بين الإجراء الطارئ الذي يحدث نتيجة أزمة أو كارثة طبيعية وبين الجريمة المخطط لها في إطار سياسات تهدف إلى تدمير المجتمع الفلسطيني بشكل منهجي. وفقًا للقانون الدولي، يُعتبر "الابعاد القسري" جريمة لا يمكن التغاضي عنها، وهو ما يخالف تمامًا الحقوق الأساسية التي كفلتها مواثيق حقوق الإنسان.
من خلال تحليل الجوانب القانونية، نجد أن الابعاد القسري يشمل:
- الإجبار على مغادرة الأرض: ليس خيارًا أو نتيجة لحالة طوارئ، بل هو فعل مُرتب من جهة القوة، ويشمل الاعتقال والترحيل دون مراعاة حقوق الإنسان.
- التدمير الثقافي: الابعاد القسري يعني في النهاية محو هوية الشعب، وهو ما يتعارض مع أحكام الأمم المتحدة التي تعتبر حق تقرير المصير من الحقوق الأساسية.
- إحداث تغييرات جغرافية ودمج اجتماعي قسري: تلك العمليات تؤدي إلى تدمير التوزيع السكاني وخلط الهويات بهدف تشويه التركيبة الاجتماعية للشعب.
آثار الابعاد القسري على المجتمع الفلسطيني
الابعاد القسري للمجتمعات الفلسطينية في غزة له تأثيرات دائمة وغير قابلة للعودة. على الرغم من أن الأفراد يمكن أن يُعاد توطينهم في مناطق أخرى، إلا أن العمليات التي تمس الجغرافيا التاريخية وتترك آثارًا نفسية على الناجين منها. هذه العمليات تتسبب في تدمير الروابط الاجتماعية بين الأفراد والعائلات وتؤدي إلى خلق أجيال محرومة من تاريخهم وثقافتهم.
إضافة إلى ذلك، فإن الاستمرار في هذه السياسات يؤثر على الاستقرار الداخلي ويزيد من تعميق الانقسام الاجتماعي، حيث يجد الأفراد أنفسهم مضطرين للعيش في أوضاع صحية ومعيشية سيئة بعيدًا عن أراضيهم التي كانت مصدرًا لفخرهم وهويتهم.
التحديات القانونية والسياسية
رغم الاعتراف الدولي بالجريمة، فإن المجتمع الدولي يواجه تحديات كبيرة في محاسبة المسؤولين عن الابعاد القسري. إذ أن القوانين الدولية مثل اتفاقية جنيف الرابعة تحظر التهجير القسري، ولكن تطبيق هذه القوانين على أرض الواقع يتطلب إرادة سياسية كبيرة.
لقد أدت الضغوط الدولية المستمرة إلى تقليص حجم الانتهاكات في بعض الحالات، ولكن القضايا المرتبطة بفلسطين وغزة في إطار الابعاد القسري تظل غير محققة بالكامل في الكثير من الأحيان.
مسألة ذات أبعاد قانونية وإنسانية عميقة
إن التفرقة بين "التهجير" و"الابعاد القسري" ليست مجرد مسألة لغوية، بل هي مسألة ذات أبعاد قانونية وإنسانية عميقة. فبينما قد يكون التهجير نتيجة لظروف طارئة، فإن الابعاد القسري هو جريمة مخطط لها بعناية لتمزيق المجتمعات وتحقيق أهداف سياسية على حساب حقوق الإنسان. ومن ثم، فإن العالم مطالب بالتنبه لهذه الفروق القانونية وإيلاء المزيد من الاهتمام لضمان حقوق اللاجئين والمشردين الفلسطينيين.