سعيد محمد أحمد يكتب :الدولة العميقة.. ومستقبل المرأة فى سوريا
فى أجواء ملبدة بالغيوم كما تعيشها الشام ، وبداية ظهور صراع سياسي على الساحة السورية والعربية والإقليمية ، ودون الحصول على شرعية الحكم حتى اليوم، تترافق معها حالة من عدم الاستقرار الامنى وعدم السلام الاجتماعى تسود الشارع السورى المحبط لدى العديد من "الاقليات" سواء كانت الشيعة او المسيحية او العلوية او الكردية او غيرها من الطوائف من فكرة الاقصاء والابعاد، وربما الانتقام منها على ايدى بعض الجماعات المسلحة، والتى يراها البعض فى الاعلام السورى أنها تنحصر فى انتهاكات فردية على خلاف الحقيقة الا انها تعبر فى النهاية على عدم مقدرة هيئة تحرير الشام من السيطرة على معظم الفصائل الارهابية المسلحة والمصنفة دوليا ويتجاوز عددها المائة فصيل وتنظيم بسيطرتهم على بعض المناطق .
وما يؤكد تلك النظرة التشاؤمية اصرار جماعة "جبهة النصرة " التى غيرت أسمها الى" هيئة تحرير الشام" على إقصاء واستبعاد اى مكون من المجتمع السورى سواء من قبل قطاع المثقفين والادباء واساتذة الفكر والابداع او حتى من قبل الائتلاف الوطنى السورى المعارض الذى يضم كافة مكونات النسيج السورى من مختلف الطوائف والمذاهب، لتنحصر كل خيارات "أحمد الشرع " الجولانى فى الاستحواذ على كامل السلطة ونقل تجربتة من أدلب ويراها " النموذج" فى إدارة الحكم فى العاصمة دمشق والواجهه الحقيقية لحكم سوريا من قبل جماعة الاخوان السورية الاب الروحى للشرع وجماعته من جبهة النصرة .
ليبقى الاصرار على ذلك "النموذج" فى الاعلان عن تعيين "عائشة الدبس" رئيسة "مكتب شؤون المرأة" بحكومة تصريف الأعمال في سوريا، بوصفها احدى القيادات النسائية المجاهدة مع هيئة تحرير الشام وكان لها من الخبرة فى ادارة شؤون المرأة المجاهدة فى محافظة ادلب بشمال سوريا .
وتبقى التصريحات التى أدلت بها عائشة الدبس موخرا لفضائية " تى ار تى" الروسية حول وضع المرأة فى سوريا الجديدة ، لتثير حالة من الجدل الكبير بين نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، عبر إطلاقها مصطلحا جديدا وربما شديد الغرابة أثار حفيظة المرأة السورية بقولها: ان الادارة الجديدة لهيئة تحرير الشام" تنظيم القاعدة سابقا"، ستعمل على "صنع نموزج "جديد يناسب ويتناسب مع وضع وظروف المرأة السورية ..ومع طبيعة من يحكمها ووفق رؤية أبو محمد الجولاني.
الغريب ان الست "عائشة " لايوجد لديها نموزج محدد وجاهز من وجه نظرها للمرأة السورية التى لها باع طويل من الخبرات فى الدفاع عن الحقوق الوطنية للمرأة وللدولة السورية منذ الاستقلال ، ويبدو ان تجاربها وتجارب أعوانها انحصرت فى الجهاد مع دواعش العصر فى أدلب، وأنها فى انتظار الجلوس مع "الجميع"، دون ان تحدد من هم الجميع؟ !! ودون ان تحدد طبيعة الحوار ومع من ؟ ومن ثم ترى الشريعة الإسلامية المرتكز الاساسي لاى نموزج ولا غبار فى ذلك .. دون ان توضح اى شريعة واى منهج !!! متجاهلة وبتعمد وكأنها بصدد الدعوة إلى دين جديد، وكأن سوريا دولة لا علاقة لها بالشريعة الإسلامية برغم ان غالبية سكانها من السنه يمثلون ٧٠٪ من سكانها، ودستورها قائم على الشريعة الاسلامية، وكأنها تأتى بشريعة مخالفة لشريعة الدولة ، اى شريعة "الفكر الجهادي المتطرف" .
الشديد الغرابة والطرافة أيضا ان تلك السيدة تذكرنا بنموذج عزة الجرف " آم أيمن " ممثلة المرأة لدى جماعة الاخوان وعضو البرلمان الاخوانى، وكيف كانت رؤيتها للمرأة المصرية .. وبما يؤكد ذات النهج وذات العقلية المغلقة التى لا ترى سوى تحت قدميها ، عندما تقول السيدة عايشة:" سنصنع نموذجا متفردا يناسب واقعنا، وخاصا بنا، نموذج يليق بسوريا الطبيعية، ولن نتبنى أي نموذج متسائلة لماذا لا نصنع نحن النموذج الخاص بنا، الذي يناسب بلدنا وتقاليدنا وحضارتنا؟".
المؤكد تلك رؤية صادمة ورافضة وبصراحة شديدة فكرة تبنى النموذج العلماني او فكرة الدولة المدنية ، وأن ما تراه من ذلك النظام لايتعارض مع النظام الدولى ولا المنظمات الحقوقية العاملة فى مجال حقوق المرأة، ومشددة على رفضها لحرية عمل المنظمات النسائية المدافعة عن حقوق المرأة باستثناء ما يتوافق مع صناعة النموذج السورى الذى لم يظهر بعد على السطح ولا زال فى طور بنائة رافضة فتح المجال لمن يختلف معها بالفكر، وأن اى جهه تريد العمل فى مجال المرأة عليها الاقرار بذلك النموذج السورى المقترح الذى لم يولد بعد من رحم الفكر الجهادي المتطرف .
حقيقة الامر ان تلك التصريحات لاقت انتقادات واسعة وحالة من الغضب فى الوسط النسائي حيث يراها البعض آنها لا تصلح للمهمة الموكله اليها ولا تتمتع باى قبول حتى على المستوى النسائي للمراة السورية والتى لها تاريخ فى النضال الكفاح الوطنى للحفاظ على الهوية الوطنية للشعب السورى، بل وربما صدمت المرأة السورية وأفقدتها القدرة على التعبير والدخول فى دائرة جديدة من مملكة الصمت خوفًا من عنف وشدة تطرف تلك التنظيمات.
تلك الحالة أثارت الجدل والقلق حول ما ينتظر مستقبل المرأة فى سوريا الجديدة، وكأنها دعوة للدخول فى المجهول وبما لا يتوافق تطابق الاقوال مع الافعال والتى تنحصر فقط فى بسط مزيد من السيرة والتمكين، والتى ستظل مستمرة فى دائرة الدعوة الى "حوار وطنى "، دون طحين حقيقى إلى أن تتمكن هيئة تحرير الشام وزعيمها احمد الشرع من بسط سيطرته الكاملة على معظم الفصائل ومن ثم على الدولة السورية وبما يؤشر لإطالة استمرار حكومة تصريف الاعمال أو الحكومة الانتقالية والتى جاءت بلون رمادى واحد.