مفاوضات ”هادئة ومبهمة” بين واشنطن وطهران في مسقط.. هل تُعيد عُمان إحياء الاتفاق النووي؟

شهدت العاصمة العُمانية مسقط أول جولة من المفاوضات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران، برعاية مباشرة من سلطنة عمان ووساطة وزير خارجيتها بدر البوسعيدي، لتطرح هذه الجولة تساؤلات مهمة: هل نقترب من **عودة جزئية للاتفاق النووي؟ أم أن شبح التصعيد لا يزال حاضرًا بقوة؟
الجولة، التي وُصفت بأنها "بنّاءة" و"بعيدة عن الإساءة"، شهدت تبادل وجهات النظر حول الملف النووي الإيراني ورفع العقوبات الأمريكية، بحضور عباس عراقجي، رئيس الوفد الإيراني، وستيف ويتكوف، مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لشؤون الشرق الأوسط.
هدوء دبلوماسي يعكس توترًا عميقًا
وفقًا لما أعلنته وزارة الخارجية الإيرانية ووكالة "تسنيم"، فقد دارت المحادثات عبر وزير الخارجية العماني، وتم فيها:
-
تبادل مواقف الطرفين حول البرنامج النووي والعقوبات.
-
تأكيد الجانب الإيراني أن المفاوضات لا تتعدى الشأن النووي.
-
الحديث في "أجواء بنّاءة وهادئة"، بعيدًا عن التهديدات والتصعيد.
-
حديث مباشر مقتضب بين رأسي الوفدين في ختام الجولة، بحضور الوسيط العماني.
عراقجي: هناك فرصة.. لكن بشروط
في تصريحاته للتلفزيون الإيراني، أوضح عراقجي:
"كانت المحادثات بنّاءة، وسنقيم نتائجها خلال الأيام المقبلة، وإذا أبدت واشنطن جدية حقيقية، فقد نصل إلى إطار تفاهم مبدئي في الجولة الثانية".
كما شدد عراقجي على أن إيران لن تفاوض بشأن برنامجها الصاروخي أو الدفاعي، وأن المفاوضات تركز فقط على مبدأ "بناء الثقة مقابل رفع العقوبات"، رافضًا أسلوب الضغوط القصوى الذي مارسته إدارة ترامب منذ عام 2018.
خلفية التوتر: نووي إيران في قلب العاصفة
اللقاء يأتي بعد تصعيد متواصل في الملف النووي منذ انسحاب واشنطن من اتفاق 2015، وفرضها عقوبات خانقة على طهران. منذ ذلك الحين:
-
تقدمت إيران في تخصيب اليورانيوم إلى مستويات تقارب الاستخدام العسكري (60%).
-
تكررت التهديدات الأمريكية والإسرائيلية باستخدام القوة العسكرية.
-
تصاعدت الاشتباكات غير المباشرة في الإقليم: من غزة إلى لبنان، ومن البحر الأحمر إلى سوريا.
وفيما تنفي إيران سعيها لتطوير سلاح نووي، تشكك الدول الغربية وإسرائيل في ذلك، وتعتبر أن البرنامج تجاوز أغراضه المدنية.
عُمان.. وسيط الصمت الدائم
سلطنة عمان، التي لطالما لعبت دورًا خلف الكواليس، أعادت اليوم إحياء قنوات الوساطة، لتجمع بين الطرفين في أجواء أكثر مرونة. وفي تغريدة له، قال بدر البوسعيدي:
"استضفنا لقاءً صادقًا يسعى نحو اتفاق عادل وملزم.. وسنواصل العمل لتقريب وجهات النظر".
وهو ما يطرح تساؤلات حول قدرة عمان على إحياء اتفاق نووي جديد "مصغّر" أو مرحلي، يمهد لرفع تدريجي للعقوبات مقابل تقليص تخصيب اليورانيوم.
إلى أين تتجه الأمور؟
رغم اللغة الإيجابية المعلنة، إلا أن مصادر إيرانية لا تُبدي تفاؤلاً كبيرًا، وتشك في نوايا واشنطن، خصوصًا في ظل إدارة ترامب المتوترة تاريخيًا مع طهران.
وذكرت رويترز نقلًا عن مصدر إيراني أن المرشد الأعلى علي خامنئي منح عراقجي "صلاحيات تفاوض واسعة"، ما يُظهر استعداد طهران للدخول في مفاوضات فعلية، لكن بشروط واضحة وضمانات مكتوبة.
المنطقة تترقب.. هل تخفّ التوترات أم تتفجر؟
المحادثات تأتي في ظل تصعيد خطير:
-
الحرب في غزة التي بدأت في 2023 لا تزال مشتعلة.
-
إسرائيل وإيران في حالة صدام غير مباشر.
-
الحوثيون يهددون الملاحة في البحر الأحمر.
-
النفوذ الإيراني في سوريا ولبنان يتراجع بفعل الضربات.
أي تقدم في هذه المفاوضات قد يساهم في تخفيف التصعيد الإقليمي، لكن فشلها يعني مزيدًا من القصف والمواجهات المفتوحة.
مسقط تكبح جماح التوتر النووي في المنطقة
محادثات مسقط قد تكون الفرصة الأخيرة لكبح جماح التوتر النووي في المنطقة. وبين تحفظ إيران، وتجربة ترامب السابقة، ووساطة عمان الهادئة، يبقى السؤال الأهم:
هل تتجاوز لغة المصالح لغة التهديد؟ أم أن الطريق إلى الاتفاق لا يزال مليئًا بالألغام؟