سعيد محمد أحمد يكتب : القاهرة دمشق .. معايير جديدة فى التطبيع
المؤكد أن مصر تراقب وعن كثب كل ما يجرى على الارض داخل سوريا، وبقدر كبير من الحكمة والعقل والتدبر لأسباب جوهرية تتعلق تاريخيا بالعلاقات المتجذرة بين البلدين والشعبين معا ، مثلما تتعلق بمدى أهمية تلك العلاقات بالأمن القومى المصرى والعربى، ومدى أهمية ارتباطهما بالأمن الإقليمي، وفق رؤى تحافظ على المصالح الوطنية والعربية التى تصون شعوبها وأمنها واستقرارها وسيادتها على كامل أراضيها.
تهنئة لأحمد الشرع لتوليه منصب رئيس سوريا
وحقيقة الآمر إعلان الرئيس السيسى الغير متوقع بتوجيه التهنئة لأحمد الشرع " ابو محمد الجولاني"بمناسبة توليه منصب رئيس سوريا خلال المرحلة الانتقالية، جاء ليشكل صدمة للكثيرين فى الخارج؛ ومفاجئًا للرأي العام المصرى وربما العربى وفى الداخل السورى أيضًا، عقب إعلان الإدارة السورية الجديدة تسمية الشرع رئيساً انتقالياً وتفويضه بتشكيل مجلس تشريعي للمرحلة الانتقالية، وارتباطًا بالملاحظات والتحفظات التى سببت قلقًا للرأي العام المصرى .
التقارب بين القاهرة دمشق
فيما يرى بعضا من المراقبين " أن الخطوة المصرية فى مبادرة التهنئة ستعزز فرص التقارب بين القاهرة دمشق وعدم استبعاد حدوث انطلاقة قد تشهدها تلك العلاقات، شريطة إرتباطها بمدى استجابة دمشق ليس لهواجس القاهرة فحسب، بل لهواجس المجتمع الدولى الذى لم يخفف بعد بعضا من القيود على سوريا خاصة مع " تنظيم القاعدة" هيئة تحرير الشام حاليا والمصنف بالتنظيم الارهابى، فمن يتصور أن مصر ابتعدت عن المشهد السوري، مخطىء لأسباب شديدة الاهمية أهمها أن دمشق في قلب وعقل الدبلوماسية المصرية.
فرض حالة الامن عوضا عن الفوضى السائدة وغياب الآمن
وبرغم تحفظات القاهرة الا أنها تؤكد كامل احترامها لاختيارات الشعب السورى شريطة ان تكون نابعة من الغالبية العظمى لإرادة السوريين بمختلف طوائفهم ومذاهبهم ، مثلما دعت القاهرة منذ اللحظات الاولى إلى إقامة دولة المؤسسات، وترجمة الاقوال إلى أفعال بما يشكل تحولاً مهماً وحقيقيًا لطمأنة السوريين أنفسهم بفرض حالة الامن عوضا عن الفوضى السائدة وغياب الآمن فى العديد من المناطق السورية.
كما كانت القاهرة شديدة الوضح والشفافية مع الادارة الجديدة عبر قضايا الأمن القومي وموقفها من الجماعات المسلحة والإسلام السياسي، والذى يشكل أولويات مصرية أهمها مكافحة الارهاب وفقا لما صرح به وزير الخارجية بدر عبد المعاطى خلال القمة الوزارية العربية الغربية التى عقدت فى الرياض، بأن على سوريا الامتناع بشكل قاطع عن استضافة أي أفراد أو جماعات تعتبرهم مصر تهديدًا لأمنها القومي، وان مصر لن ترتكن للتصريحات بل ستراقب الافعال عن كثب فى الحد من دعم الجماعات المتطرفة وخاصة جماعة الاخوان المسلمين، والتى تمثل خطآ أحمر .
القاهرة لن تقبل باى نشاط دعائى للجماعات الاسلامية من داخل سوريا
القاهرة أكدت أيضا أنها لن تقبل باى نشاط دعائى للجماعات الاسلامية من داخل سوريا سواء عبر الاعلام أو الاجتماعات السياسية، وهو ما تم رصده فى تقارير موثقة عن ظهور معارضو النظام المصرى بجانب قيادات هيئة تحرير الشام ،كما أن القاهرة لا تمانع فى التعامل مع اسلاميين معتدلين بشرط التزامهم بمبادئ الدولة الوطنية.
تأسيس الجيش السورى الوطنى
وفى تقديرى ان القاهرة ستراقب موقف الادارة الحالية تجاه تبنيها نهجًا سياسيًا شاملا يحفظ المواطنة للجميع وموقفها من تأسيس الجيش السورى الوطنى، والذى سيحدد طبيعة العلاقات المستقبلية، فى أعقاب المخاوف وحجم القلق الكبير فى اعقاب قرار حل الجيش وكافة الاجهزة الامنية والمخاوف من تفكيك المؤسسات الوطنية وتأثيرها على حالة الامن والاستقرار .
فيما تتابع القاهرة عن كثب أيضا أفاق وأبعاد التعاون التركى مع الادارة الجديدة فى سوريا لضمان عدم تعارضها مع المصالح العربية الاستراتيجية ، خاصة وان الاتصالات العربية السورية جاءت فى اطار نظرية الاحتواء ومحاولتها تجاوز مخاوفها تجاه الحركات الإسلامية المنظمة ذات الايدولوجيا الجهادية التكفيرية فى اعقاب سقوط الاسد الدراماتيكي الذى أحدث خللا فى موازين القوى الاقليمية فى المنطقة، و بعد اكثر من عام على الصراع والحرب فى قطاع غزة وجنوب لبنان وانتهائها بتدمير قدرات حماس وحزب الله العسكرية وتدمير شامل لقطاع غزة وجنوب لبنان واعادة إسرائيل لاحتلالهما مع سقوط النظام السورى فى عشرة ايام .
من يحرر يقرر " ، ولكن ليس بعيدا عن الشعب السورى وخياراته
العديد من المراقبين ابدى تفاؤلاً حذراً بشأن مستقبل سوريا, وما تحيط بها والمنطقة معا من متغيرات سريعة قد توثر على مستقبلها، وربما قد تكون عامل هدم او بناء للدولة السورية، وهو أمر يتعلق بحقيقة النوايا وطبيعتها فى ان تتطابق الأقوال مع الافعال على الارض وليس وفق منطق السيطرة على سوريا " من يحرر يقرر " ، ولكن ليس بعيدا عن الشعب السورى وخياراته، وأن يكون هناك قدرا كبيرا من العدالة والتخلص من إرث الانتقام والتشفي، حتى لا يفتح بابًا جديدًا للطغيان وعبر إعادة إنتاج طاغية بلون جهادى تكفيري لم يخطر على بال أحد، ولن يقود سوى إلى مزيد من الدم والانتقام .