د. أروى محمد الشاعر تكتب :حادث نيو أورليانز: أداة لتحويل الأنظار عن الجرائم الإسرائيلية في فلسطين hglpjgm
في ظل الأحداث الأخيرة التي شهدها العالم مع بداية عام 2025، خصوصًا حادث الدهس المأساوي في نيو أورليانز الذي أودى بحياة العشرات، طُرحت العديد من التساؤلات حول الأطراف المستفيدة من مثل هذه الجرائم ومن يقف وراءها. ورغم أن وسائل الإعلام سارعت إلى اتهام تنظيمات مثل داعش أو القاعدة، إلا أن هناك ضرورة للتعمق في تحليل الملابسات السياسية والاجتماعية التي أحاطت بهذا الحادث، خاصة فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
كفى ضحكاً على عقول الناس بالربط السريع لما فعله القاتل بتنظيمات مثل داعش والقاعدة. هذا الخطاب الإعلامي لم يعد يقنع أحدًا، والجيل الجديد أصبح أكثر وعيًا وإدراكًا لما يدور حوله. الحقائق واضحة: هذا الشخص ولد ونشأ ودرس في الولايات المتحدة، وتحديدًا في ولاية تكساس، وخدم في الجيش الأمريكي عدة سنوات، بما في ذلك في مناطق الصراع مثل أفغانستان. هذه المعطيات وحدها تؤكد أن الحادث نابع من ظروف أمريكية داخلية بحتة، وليس له أي علاقة بتنظيمات خاررجي
صحفية يهودية تزور منزل القاتل لتصويرالمصحف والكوفية الفلسطينية
في محاولة يائسة لإضافة طابع ديني وسياسي للحادث، خرجت وسائل الإعلام بتقارير مفبركة تزعم أن صحافية أمريكية تبين أنها يهودية زارت منزل القاتل، وأشارت هذه الصحفية إلى نسخة من القرآن الكريم بحديث مباشر، ثم انتقلت الكاميرا بشكل مقصود لتُظهر الكوفية الفلسطينية الموضوعة على أحد الكراسي. هذا المشهد التمثيلي الساذج ليس إلا محاولة مكشوفة لتشويه رموز الحرية والمقاومة. الكوفية الفلسطينية، التي أصبحت رمزًا عالميًا للنضال ضد الظلم، وتُرفع بفخر على أكتاف الشباب حول العالم، يتم الآن استغلالها بشكل خبيث لإلصاق التهم بالإرهاب. هذه دعاية مفبركة تهدف إلى تغيير دلالات الكوفية، من رمز للحرية إلى رمز للعنف، في إطار محاولات مستميتة بعد أن خسرت الصهيونية وإسرائيل تعاطف الشعوب عالميًا.
تنظيمات تم تصنيعها واستغلالها لتحقيق أهداف استراتيجية للدول الغربية
الاتهام السريع لعلاقة القاتل بتنظيمات مثل داعش أو القاعدة في أي هجوم إرهابي يعكس نمطًا متكررًا في التعامل مع مثل هذه الحوادث. ولكن هناك أدلة وشهادات متعددة تشير إلى أن هذه التنظيمات ليست سوى أدوات تم تصنيعها واستغلالها لتحقيق أهداف استراتيجية للدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة. وثائق مسربة من وكالات استخباراتية مثل وكالة الأمن القومي الأمريكية (NSA) تؤكد تورط الولايات المتحدة في دعم مجموعات مسلحة في الشرق الأوسط لتحقيق مصالح جيوسياسية. وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون اعترفت في مذكراتها بدور الولايات المتحدة في تأسيس ودعم تنظيمات مسلحة لمحاربة الاتحاد السوفييتي في أفغانستان، وهو ما شكل النواة الأولى للقاعدة. تقارير أخرى كشفت عن وصول أسلحة غربية إلى يد تنظيم داعش عبر وسطاء في سوريا والعراق، ما أثار تساؤلات حول دور الغرب في استدامة هذه الجماعات. هذه الحقائق تُظهر بوضوح أن التنظيمات الإرهابية التي يتم اتهامها بشكل متكرر في مثل هذه الحوادث ليست سوى أدوات تم استغلالها لخدمة أجندات سياسية وعسكرية.
لا يخفى على أحد أن إسرائيل تواجه أزمة في كسب الرأي العام العالمي. خلال العدوان الأخير على غزة، ومع تزايد التغطية الإعلامية للجرائم المرتكبة بحق المدنيين، انتفضت شعوب العالم تضامنًا مع الفلسطينيين، منددة بالإبادة الجماعية وسياسات الاحتلال الاستيطاني. هذا التحول في الرأي العام العالمي شكل ضغطًا غير مسبوق على إسرائيل، مما جعلها تبحث عن استراتيجيات جديدة لاستعادة السيطرة على الصورة الإعلامية.
ترامب و ودعمه لصفقة القرن وضم الضفة الغربية بشكل كامل
مع عودة دونالد ترامب القريبة إلى البيت الأبيض، هناك توقعات بأن إسرائيل ستسعى إلى استغلال دعمه الكبير لتحقيق أهداف استراتيجية، أبرزها ضم الضفة الغربية بشكل كامل. ترامب، الذي عُرف بسياساته المنحازة لإسرائيل، بما في ذلك نقل السفارة الأمريكية إلى القدس ودعمه لصفقة القرن، قد يشجع على اتخاذ خطوات جذرية. ومع ذلك، فإن مثل هذه التحركات تتطلب إعدادًا سياسيًا وإعلاميًا للتخفيف من أي معارضة دولية أو شعبية. عودة ترامب، بما تحمله من انعكاسات على السياسات الدولية، تأتي في وقت تسعى فيه إسرائيل إلى إعادة ترتيب أولوياتها الاستراتيجية على الأرض، وقد يكون نسب تلك الحوادث بارتباطها بمنظمات ارهابية إسلامية كما يدعون وسيلة للتمهيد لهذه السياسات عبر خلق أجواء من الفوضى والخوف للاستمرار بجرائم الإبادة الجماعية ونهب المزيد من الأراضي الفلسطينية.
تشير التحقيقات الأولية إلى أن حادث الدهس في نيو أورليانز وحادث انفجار سيارة تيسلا في لوس أنجلوس قد يكونان مرتبطين بشكل وثيق. كلا المنفذين خريجان من نفس الكلية الحربية، مما يثير تساؤلات جدية حول التأثيرات النفسية والعقائدية التي ربما تكون قد تلقوها خلال سنوات دراستهم العسكرية. مما يعزز فرضية أن هذه العمليات قد تكون جزءًا من مخطط إرهابي داخلي منظم. هذه التفاصيل تدفع إلى التشكيك في الرواية الرسمية التي تحاول بشكل متكرر إلصاق التهم بتنظيمات خارجية، بينما الأدلة تشير إلى أن الحوادث نابعة من داخل الولايات المتحدة نفسها.
يبدو أن الكثير من الجنود السابقين الذين خدموا في الحروب الأمريكية تحت مظلة محاربة الإرهاب، خاصة في الشرق الأوسط وأفغانستان، يعانون من آثار نفسية تجعل العنف والقتل سلوكًا مقبولًا لديهم. حيث أن معظمهم يعانون من اضطرابات نفسية (PTSD)، ما قد يدفع بعضهم لارتكاب أفعال عنيفة في حياتهم المدنية. المشاركة في حروب تُبرر على أنها “محاربة الإرهاب” يمكن أن تخلق مبررًا داخليًا يجعل القتل يبدو كوسيلة مشروعة مما يؤدي إلى سلوكيات مدمرة لاحقًا. يركز التدريب العسكري على الطاعة المطلقة واستخدام القوة، ما قد يجعل الأفراد أقل ترددًا في اللجوء للعنف. كما أن النظام العسكري الأمريكي غالبًا ما يترك الجنود السابقين دون دعم نفسي كافٍ، مما يحولهم إلى قنابل موقوتة في المجتمع.
تحويل الأنظار عن الجرائم الإسرائيلية في فلسطين
رغم تحديد هوية الجاني، يبقى السؤال: لماذا سارع الإعلام إلى ربط الحادث بتنظيمات إسلامية؟ هل الهدف هو تحويل الأنظار عن الجرائم الإسرائيلية في فلسطين أو تأليب الرأي العام ضد المسلمين؟ عبر التاريخ، استُخدمت الحوادث الإرهابية كأدوات سياسية لتبرير السياسات العدوانية أو لتحريف التركيز عن قضايا إنسانية ملحة. إذا تمكنوا من استغلال الحادث لصرف الأنظار عن العدوان الإسرائيلي، يمكنهم استعادة جزء من الرأي العام العالمي الذي خسرته.
ما يحدث اليوم يفرض علينا التعمق في التحقيقات لكشف الدوافع الحقيقية وراء هذه الحوادث، بعيدًا عن الروايات المعلبة التي تخدم أجندات سياسية على حساب العدالة والحقيقة. إن العالم اليوم أكثر وعيًا من أن يُخدع بمثل هذه المحاولات التي تهدف إلى تشويه النضالات العادلة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. لا يمكن السماح لأي حادث أو محاولة استغلاله بأن يُحرف الأنظار عن الجرائم الحقيقية التي تُرتكب بحق الأبرياء، أو أن يقوّض تضامن الشعوب ضد الظلم. الحقيقة ستظل أقوى من أي دعاية، والعدالة لا يمكن طمسها مهما كانت الأدوات المستخدمة.