تحركات روسية مكثفة في سوريا بعد رحيل الأسد.. مفاوضات بشأن القواعد العسكرية والعلاقات المستقبلية
موسكو تسعى لتعزيز وجودها في سوريا وسط تغيرات سياسية كبرى
تواصل روسيا تحركاتها الدبلوماسية والعسكرية المكثفة في سوريا، عقب التغييرات السياسية التي شهدتها البلاد مؤخرًا، حيث تسعى موسكو إلى إعادة رسم علاقتها مع القيادة الجديدة في دمشق وضمان الحفاظ على قواعدها العسكرية الاستراتيجية على البحر المتوسط.
الكرملين: مفاوضات نشطة بشأن القواعد العسكرية في سوريا
أكد الكرملين اليوم الإثنين أن روسيا تجري محادثات مكثفة مع الحكومة السورية المؤقتة بشأن عدة ملفات حيوية، من أبرزها مصير القاعدتين العسكريتين الروسيتين في طرطوس وحميميم، واللتين تشكلان نقطة ارتكاز استراتيجية للوجود الروسي في المنطقة.
وتأتي هذه التصريحات بعد زيارة نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، إلى دمشق الأسبوع الماضي، والتي كانت أول لقاء رسمي بين روسيا والقادة السوريين الجدد بعد رحيل الرئيس بشار الأسد الذي لجأ إلى موسكو أواخر العام الماضي، بعد إعلان انتقال سلمي للسلطة.
هل تحتفظ روسيا بوجودها العسكري في سوريا؟
قبل زيارة بوغدانوف إلى دمشق، صرح لوسائل إعلام روسية بأن بلاده تأمل في الحفاظ على قاعدتيها في سوريا، مشيرًا إلى أن استمرار الوجود العسكري الروسي في الشرق الأوسط ضروري لتحقيق الاستقرار الإقليمي.
وكانت موسكو قد أكدت في وقت سابق أن الأسد غادر منصبه بموجب اتفاق سياسي داخلي، دون توضيح موقفها بشأن مستقبل قواتها العسكرية في سوريا. لكن التصريحات الروسية الأخيرة تشير إلى نية موسكو البقاء وتعزيز وجودها، خاصةً أن القاعدتين الروسيتين في طرطوس وحميميم تمثلان بوابة استراتيجية للنفوذ الروسي في البحر المتوسط.
دمشق تفتح باب المفاوضات.. لكنها تريد تعديلات في الاتفاقيات السابقة
من جانبه، كشف وزير الدفاع السوري المؤقت، مرهف أبو قصرة، في مقابلة مع وكالة رويترز، أن بلاده دخلت في مفاوضات مباشرة مع روسيا لتحديد طبيعة العلاقات المستقبلية بين البلدين.
وأكد أن سوريا تحترم الاتفاقيات السابقة التي وُقّعت مع موسكو، لكنه أشار إلى أن هناك بعض البنود التي تحتاج إلى إعادة النظر لضمان تحقيق مصالح سوريا في ظل المتغيرات الجديدة.
قاعدة طرطوس البحرية.. محور النفوذ الروسي في البحر المتوسط
تعتبر قاعدة طرطوس البحرية نقطة استراتيجية مهمة للأسطول الروسي، حيث تضم قطعًا من أسطول البحر الأسود، وتعد المركز الوحيد للإصلاح والتجديد للسفن الروسية في البحر الأبيض المتوسط.
ويعود تاريخ إنشاء هذه القاعدة إلى سبعينيات القرن العشرين عندما أسسها الاتحاد السوفيتي، لكن روسيا قامت بتوسيعها وتحديثها عام 2012، بالتزامن مع تعزيز دعمها لحكومة الأسد خلال الحرب الأهلية السورية.
وتساعد هذه القاعدة السفن الروسية على البقاء في البحر المتوسط دون الحاجة إلى العودة إلى موانئ البحر الأسود عبر المضايق التركية، مما يمنح موسكو مرونة عسكرية عالية في المنطقة. كما أنها تتميز بمياهها العميقة، ما يجعلها ملائمة لاستضافة غواصات روسية نووية، وفقًا لتقرير صادر عن المعهد البحري الأمريكي.
ما الذي تسعى إليه روسيا من هذه التحركات؟
تُظهر هذه التحركات الروسية أن موسكو تعمل على تعزيز نفوذها الإقليمي والحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في سوريا، من خلال:
- ضمان بقاء القواعد العسكرية الروسية في سوريا كجزء من ترتيبات أمنية طويلة الأمد.
- إعادة ضبط العلاقات مع القيادة السورية الجديدة، بما يضمن لموسكو دورًا فاعلًا في رسم مستقبل سوريا السياسي.
- حماية المصالح الاقتصادية الروسية، لا سيما في مجالات الطاقة والبنية التحتية وإعادة الإعمار.
- تعزيز النفوذ العسكري الروسي في البحر المتوسط، خاصةً مع تصاعد التوترات الدولية مع الغرب.
التحديات المحتملة أمام روسيا في سوريا
رغم هذه الجهود، قد تواجه موسكو عدة تحديات رئيسية، منها:
- مدى قبول القيادة السورية الجديدة للوجود العسكري الروسي، وما إذا كانت ستطالب بتعديلات جوهرية على الاتفاقيات الأمنية السابقة.
- التوازن في العلاقات بين موسكو ودمشق من جهة، وطهران من جهة أخرى، خاصةً أن إيران تعتبر شريكًا رئيسيًا للحكومة السورية.
- الضغوط الغربية على روسيا، التي قد تسعى إلى تقليص نفوذ موسكو في المنطقة من خلال فرض عقوبات جديدة أو تقديم حوافز للحكومة السورية الجديدة مقابل تقليل التعاون مع الروس.
مستقبل العلاقات الروسية-السورية.. إلى أين؟
يبدو أن روسيا تسعى إلى إعادة تموضع استراتيجي في سوريا، مع التركيز على ضمان استمرار نفوذها العسكري والاقتصادي، لا سيما بعد مغادرة الأسد السلطة.
ورغم أن المفاوضات بين الجانبين لا تزال جارية، فإن المؤشرات الأولية تشير إلى أن موسكو ستواصل الاحتفاظ بقواعدها العسكرية، ولكن قد تضطر إلى تقديم بعض التنازلات والتعديلات في الاتفاقيات السابقة لتجنب أي توترات مع القيادة السورية الجديدة.
في ظل هذه المعطيات، يبقى السؤال الأهم: هل ستتمكن روسيا من تأمين مصالحها في سوريا وسط المتغيرات السياسية، أم أن دمشق ستتجه نحو إعادة تقييم تحالفاتها؟