الصباح اليوم
بوابة الصباح اليوم

أسرار السياسة

السوريون الدروز والعلاقة المعقدة مع دمشق: زيارة تاريخية للجولان المحتل وتأثيرها على المشهد السياسي - فيديو

شيوخ دروز في سوريا.
-

زار وفد من رجال الدين والوجهاء من طائفة الموحدين الدروز في سوريا الجولان السوري المحتل، في خطوة غير مسبوقة منذ ما يقارب 50 عامًا، حيث التقوا الشيخ موفق طريف، الزعيم الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل. تأتي هذه الزيارة في وقت حساس، حيث تشهد سوريا تحولات جذرية عقب سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، ما يزيد من تعقيد العلاقات بين الدروز والنظام الجديد.

الموقف المتشدد من دمشق والترقب الإسرائيلي

الزيارة التي وُصفت بأنها "دينية" ليست بعيدة عن المستجدات السياسية، حيث لم يكن متصورًا حدوث مثل هذه الخطوة في ظل حكم حزب البعث، الذي جرّم أي اتصال بين السوريين وإسرائيل تحت أي مسمى.

تزامنت الزيارة مع تصريحات لافتة أدلى بها الشيخ حكمت الهجري، شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز في سوريا، والذي وصف الحكومة السورية الجديدة بأنها "متطرفة ومطلوبة للعدالة الدولية"، مؤكدًا أنه "لا توافق مع سلطات دمشق"، متعهدًا باتخاذ ما هو مناسب لحماية مصالح الطائفة الدرزية.

بالتزامن مع هذه التطورات، أعلنت إسرائيل، عبر وزير خارجيتها جدعون ساعر، عن إرسال آلاف الطرود من المساعدات الإنسانية إلى الدروز في سوريا، كما سمحت للعمال الدروز من الجولان السوري المحتل بالعمل داخل الأراضي الإسرائيلية، برواتب تتجاوز 100 دولار يوميًا، وهو ما يفوق رواتب الموظفين الحكوميين في سوريا بأكثر من شهرين.

الدروز بين دمشق الجديدة وإسرائيل: مستقبل العلاقة

منذ سقوط نظام الأسد، برزت تساؤلات عديدة حول مصير الدروز، لا سيما أنهم حاولوا تحييد أنفسهم عن الصراع السوري، فلم ينخرطوا بشكل مباشر في المعارضة المسلحة، ولم يكونوا جزءًا فاعلًا من النظام السوري الجديد. لكن مع تزايد النفوذ الأصولي في دمشق الجديدة، أصبحوا في موقف لا يُحسدون عليه.

في عام 2023، كانت القطيعة بين الدروز والنظام السوري قد بدأت تتضح أكثر، حيث خرجت مظاهرات كبيرة في السويداء طالبت بإسقاط الأسد، وشارك فيها مشايخ الطائفة، باستثناء الشيخ يوسف الجربوع، المؤيد للنظام.

في السياق ذاته، أثار إعلان إسرائيل استعدادها للدفاع عن دروز سوريا حالة من الجدل، حيث اعتُبر خطوة نحو تعميق الانقسام، خصوصًا مع توغل الجيش الإسرائيلي داخل الأراضي السورية في الجنوب، بحجة حماية أبناء الطائفة الدرزية.

دروز سوريا والحكومة الجديدة بقيادة أحمد الشرع

بعد سقوط الأسد، أثيرت تكهنات حول موقف الدروز من الحكومة الانتقالية برئاسة أحمد الشرع، خاصة أن السلطة الجديدة تضم شخصيات من هيئة تحرير الشام التي قادت في السابق هجمات على السويداء تحت قيادة أبو محمد الجولاني، مما زاد من حذر الدروز تجاه الحكومة الوليدة.

وأكد الناشط السياسي رامي عبد الحق أن اتصالات جرت بين مشايخ السويداء وحكومة الشرع فور سقوط الأسد، لكن المخاوف لا تزال قائمة بسبب ماضي بعض القادة الجدد.

وأشار عبد الحق في حديثه إلى أن أبرز العوامل التي دفعت الشيخ الهجري لاتخاذ موقف صارم ضد النظام الجديد هو المجازر التي ارتكبتها الجماعات المتشددة ضد العلويين والمسيحيين، والتي عكست مدى غياب الضمانات الحقيقية للأقليات في سوريا المستقبلية.

الانقسام الدرزي والمواقف المتباينة

رغم وحدة الموقف في بعض الجوانب، لا يبدو أن دروز السويداء يتحدثون بصوت واحد تجاه الحكومة السورية الجديدة. فبينما يعارض الشيخ حكمت الهجري السلطة الجديدة بشكل قاطع، فإن واسم البلعوس، الذي يُعد أحد قادة الجناح العسكري للمعارضة الدرزية، أبدى مرونة أكبر في التعامل مع دمشق.

ويؤكد المحلل السياسي إسماعيل زيدان أن التحولات السياسية لم تغير كثيرًا في الانقسامات الموجودة بين المراجع الروحية والسياسية للدروز، حيث لا يزال هناك استقطاب واضح بين من يدعم التقارب مع إسرائيل مثل الشيخ موفق طريف، ومن يفضل العمل مع الحكومة السورية الجديدة مثل البلعوس.

وأشار زيدان إلى أن إسرائيل تحاول استغلال الوضع الحالي لكسب الطائفة الدرزية إلى صفها، مستغلة ضعف الحكومة الجديدة وعدم قدرتها على تقديم ضمانات واضحة.

إسرائيل والدروز: لعبة النفوذ في الجنوب السوري

يرى العديد من المحللين أن تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول حماية دروز سوريا ليست سوى جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى ترسيخ النفوذ الإسرائيلي في الجنوب السوري.

ويُنظر إلى هذه التحركات بعين الريبة، حيث يخشى الدروز أن تتحول هذه "الحماية" إلى وسيلة ضغط سياسي يتم استخدامها لاحقًا في إطار التوسع الإسرائيلي داخل الأراضي السورية.

مستقبل مجهول للطائفة الدرزية في سوريا

في ظل المشهد المعقد، تبدو الطائفة الدرزية في سوريا أمام خيارات صعبة، إذ باتت عالقة بين حكومة جديدة ذات توجهات إسلامية متشددة، وبين إسرائيل التي تسعى لاستخدامها كورقة تفاوض إقليمية.

ويبقى السؤال الأهم: هل تستطيع الطائفة الدرزية الحفاظ على خصوصيتها واستقلال قرارها في ظل المتغيرات المتسارعة؟ أم أن الصراعات السياسية ستجبرها على الاصطفاف مع أحد الأطراف؟